Rechercher dans ce blog

lundi 8 février 2010

الى مازونة الرحلة في طلب العلم

سلساة متماسكة (أ).
:
ارتبطت وظيفة التدريس بمدرسة مازونة الفقهية ، بالعلوم ذات المرجعية الدينية التي تتجاوز في عملية تلقينها القران الكريم ، الى علوم اخرى تتاصل في مضامينها المعرفية من القران . و نظرا لتعمقها في طرح المسائل و ذلك من اجل تحديد الحقائق ، و تنظيم العلاقات الاجتماعية ، تميز و جودها بنوع من حالة الاانتشار ، حيث انحصرت في وجودها التعليمي على بعض المناطق ذات الامتداد الثقافي للبعد الزمني ، وانطلاقا من هنا فرضت ظاهرة الرحلة في طلب العلم ذاتها كطريقة للحصول على المعارف و العلوم و الايجازات .
يتحدث "محمد أبو راس الجزائري " في رحلته أنه سافر الى مازونة ، و درس على أحد مشايخ المدرسة الفقهية قائلا "... لما ذكر لي الطلبة مازونة ، و كثرة مجالسها ، و نجابة طلبتها ، و قريحة أشياخها ....سافرت اليها ، فلقيت قي المشي على صغري مشقة ، لكن ذلك شان أهل السفر للعلم ......"(2)
من هنا يتبين لنا أن المدرسة الفقهية اكتسبت شهرتها العلمية العلمية منذ القرون الاولى لتاسيسها كما انها لعبت دورا رئيسيا في المحافظة على الثقافة العربية الاسلامية ، لا على الصعيد المحلي فحسب . بل على نطاق كبير من القطاع الوهراني و احوازه ، حيث أنها جذبت مدة عقود طويلة عددا كبيرا من الطلبة ، الذين جاءوا من مختلف قرى و مناطق الغرب الجزائري ، و حتى من المغرب الاقصى طلبا للعلم ، و ما هو معروف عن هؤلاء الطلبة هو انه لم تكن عندهم عواطف اقليمية او قبلية و انما كانوا ياخذون العلم حيث و جدوه ، و انهم يقبلون على أي نشاط تعليمي يجدون فيه تحديا لقدراتهم العقلية ، واي نشاط يتطلب من الطالب اكتساب المعرفة الجديدة بهذا الخصوص و استيعابها (1).
و قد كان بعضهم في حركة مستمرة طلبا للعلم ، ذلك أن بقاء الطلبة في مكان واحد مواهبهم ، و يحول اهتمامهم من الامور الاسلامية الدينية الى الامور المحلية و الشخصية ، وهناك نقطة اخرى تتعلق بايجابية هذه الظاهرة التعليمية ، وهي كسر الحواجز الاقليمية و بداية ظهور الثقافة الوطنية الدينية ،كما أنها تزيد في تجارب المتعلم و تكسبه معارفا و علوما لا تتاح له لو اقام في بلده . و قد قال عنها "عبد الرحمان بن خلدون " ..الا ان حصول الملكات عن المباشرة و التلقين اشد استحكاما و اقوى رسوخا ، فعلى قدر كثرة الشيوخ ، يكون حصول الملكات و رسوخها .. فالرحلة لابد منها في طلب العلم ، لاكتساب الفوائد و الكمال بلقاء المشايخ و مباشرة الرجال ..."(2) .
و هكذا اكتسبت الرحلة في طلب العلم كخاصية تعليمية ، مدينة مازونة و مدرستها الفقهية دلالة فكرية و ثقافية ، اعتبرت كنتيجة لها المدينة للعلماء (3) كما ان لاجازات مدرستها اعتبارا كبيرا ، فكان حاملوها يتولون وظائف القضاء بالخصوص في الشرق بلاد المغرب و شماله كبلاد الريف و نواحي تازة يلقون المبرة و الاكرام من سكان الضواحي حيث يصلون بهم التراويح في شهر رمضان ، و يعلمون ابناءهم في العطل الصيفية بدلا من زرع قنطار أو إثنين لكل طالب فيستعين بها على شراء الكتب والملابس ثم أن المتخرج من المدّرسة يحفظ متن خليل عن ظهر قلب فهو يمتاز عن المتخرجين من القرويين بإصدار الفتاوى والأحكام بمجالس الحكمة في الأسواق
من هنا يتبين لنا تأثير الرأسمال الثقافي عند مالكيه على الأخرين غير المالكين، حيث يخلق بين الفئتين ولاءا له تحتويه و تبرزه مجموعة من العلاقات الإجتماعية كما أن اكتسابه على المستوى الفردي يطرح حتمية استثماره اجتماعيا،و بذلك يتكون التفاعل الإجتماعي و التطور الحضاري كنتيجة لعملية إعادة إنتاج الرأسمال الثقافي .
و استقراءا لوظيفة المدّرسة الفقيهة التعليمية طيلة فترة وجودها، يمكننا القول بأن المشايخ قد تمكنوا فعلا من استثمار رأسمالهم الشامل و نحو به نحو الإستمرارية لوجودهم و ذلك ضمن عملية إعادة إنتاج جميع البنى الخاصة و النفوذ،كما استطاعوا أيضا بأن يعملوا ظاهريا بشكل علمي و رمزي في الوقت نفسه،وقد أحدثوا بذلك لوجودهم مكانة اجتماعية بارزة ساهمت بانتشارها في استقطاب الطلبة الى المدرسة التي مدحها أحد خريجها و هو "عبد القادر بن المختار الخطابي" بنظم شعري يحث فيه على الرحلة إليها طالبا للعلم قائلا:
إذا رمت فقه الأصبحي فعج على ** ديار بها حلت سعود الكواكب
وحط رحال السير و أنو إقامــــة ** بمازونة الغراء ذات المناصب
تجد سادة للفضل و العلم مهـدوا ** طريقا بها أضحى التعصي بجانب
4.2-المضمون التعليمي:
يعد المضمون التعليمي الذي يتلقاه الطلبة في المؤسسات التعليمية ،أحد الأركان الأساسية في إيجاد المنهج و العملية التعليمية و يتعلق المضمون الدراسي بتلك المواد التي يحتويها النمط التعليمي و الذي يختلف تبعا لها و قد اختصت المدرسة الفقيهة بتدريس بعض العلوم الدينية إضافة الى بعض العلوم الغوية.
عرفت الموسوعة العلمية للتربية , التربية الدينية , أو التعليم الديني بانه تدريس منظم و مخطط له يهدف الى اكتساب الفرد ، حقيقة الكون و الحياة ، وعلاقة الفرد بربه ، بالافراد الاخرين الذين يعيشون معه في مجتمع واحد ، بل و مع افراد البشر جميعا (1) و استنادا الى هذا التعريف ، والى بعض الروايات الشفوية (أ) و دراستهم التوثيقية ، فان المحتوى التعليمي للمدرسة الفقهية انقسم الى قسمين :
4.2-1- العلوم الدينية:
-الفقه الملكي:
اعتمادا على منصف خليل (المختصر) و تبعا لذلك لقب مشائخ المدرسة ، و طلبتها ب " الخليليون " ، و يؤكد ذلك "محمد ابو راس الناصر " قائلا انه قصد مازونة "...لقراءة الفقه .." (2) و تيسرا لعملية التدريس استند المشائخ على بعض الشروح الموضمعة حوله و منها : شرح "محمد الخرشي" ، رسالة "محمد ابي زيد القيرواني" .اضافة الى تاليف بعض مشائخ المدرسة و قد ذكر ذلك "محمد بن علي السنوسي" في قوله "فمنهم..ابو طالب سيدي محمد بن علي بن الشارف ، قرات عليه النصف الاول من المختصر مرارا ، قراءة ....مطرزة بجزيل الفروع النقلية ...يلتزم شرح الخرشي غالبا مع حاشية عليه (3) المسماة بدرة الحواشي في حل الفاظ الخرشي "(4) و نشير هنا الى ان هذا هو الدرس الوحيد الذي استمر مشائخ المدرسة الفقهية في تدريسه الى غاية اندثارها (أ) و قد عرفت عملية تلقينه خاصة اثناء فترة الاحتلال الفرنسي خضوعا علميا ادى الى حصر الدروس في بعض الدواوين التي لا تؤثر عملية تدريسها على الوجود الفرنسي ، نظرا لانها تتعلق ببعض العبادات و المعاملات ، التي تتضمن فكرة الخضوع و الاعتقاد اليقيني في سلطة عليا .
-علم الحديث :
اعتمادا على "صحيح البخاري و مسلم " و "موطا الامام مالك " و يؤكد ذلك "محمد بن علي السنوسي" في قوله "و قرات على ....ابي العباس احمد بن هني ...و سمعت عليه مجالس من البخاري و مثلها من مسلم و الموطا " (1)
-علم التوحيد :
اعتمادا على العقيدة الصغرى للشيخ السنوسي ، و بعض التاليف الخاصة مثل ما الفه "ابو طالب المازوني " (ب) و يتحدث في ذلك "محمد بن علي السنوسي " "قرات على ...احمد هني ... و اخذت عليه علم التوحيد و ناولني شرحه الكبير على صغرى الشيخ السنوسي "(2) .
و نشير هنا الى ان هذا العلم قد استمر تدارسه ، خلال فترة الاحتلال الفرنسي ، لكن ليس كمادة دراسية تعقد لها حلقات علمية ، وانما كان تلقينه يتم خلال ايام العطل (ج) و قد عمدت السلطات الفرنسية الى الغاء مادة التوحيد ، للقضاء على التعليم العربي و الهوية الدينية تدريجيا . لان الاسلام هو الدين الوحيد الذي يدعو الى وحدوية الاله ، و ضرورة الخضوع له.
4.2-2- العلوم اللغوية :
-النحو العربي :
عتمادا على "الفية ابن مالك و الاجرومية "(أ) و قد استمر تدارس هذا العلم اثناء الفترة الاستعمارية لكن دون ان تقرر له حلقات علمية يشرف على تدريسها مشائخ المدرسة ، بل كان يتداوله مشائخ المدرسة فيما بينهم على حد التعبير « g.h.bousquet »(1) و يمكن ارجاع سبب الغاء تدريس هذا
العلم ، الى انه يمثل منطق اللغة العربية ، و اساس قيامها كما انه يمثل قاعدة ضبط و فهم الفاظها ، و تعطيل عملية تعليمية فعل اجرائي يستهدف مباشرة القران الكريم و ذلك لتكوينه اللفظي و المعنوي الخاضع لعلم النحو العربي ، وبالتالي ضرب الهوية الدينية ، واللغة كمقوم وطني ، اظافة الى هذه العلوم يميز "محمد ابو راس الجزائري " على طلبة مازونة بصفة عامة وجود اللحن حيث يذكر ذلك على لسان "المشرفي" "هذه عادة طلبة مازونة" (2).
5.2 المكتبة:
لقد شكلت المكتبة في وجودها احدى عوامل نجاح العملية التعليمية ، و حركة الثقافة بصفة عامة ، و تمكنت بفضل التراكم المعرفي الذي يكونها من احداث اختصار زمني في مراحل التعليم ، وحدثت من خلالها عملية تفاعلية معنوية ، احتوتها ارادة التعلم ، ونظرا لهذه الفاعلية الايجابية كان من الضروري ان تتضمن المدرسة الفقهية مكتبة خاصة بها لتيسير عملية سير و نجاح التعليم ، وهذا ما عرفته فعلا ، حيث نستقرا من تاريخ وجودها كحيز تعليمي ، وجود مكتبة ملحقة بها و ذلك منذ البدايات الاولى لمباشرتها وظيفتها الاجرائية الثابتة (التعليم ) وتتبعا لمسيرة تكون المكتبة يتبين لنا بانها كانت نتيجة لمجموعة من التاثيرات العائلية ، فضرورة ايجادها اولا فرضها الراسمال الثقافي الذي تزداد سلطته و نفوذه بازدياد حجمه و دلائله التلقينية الاقناعية ، فالمكتبة بتراكمها الثقافي تعبر في وجودها عن معارف لمشائخ و فقهاء ، و بما انها خاضعة في نظامها التاسيسي لسلطة المشائخ الموحدين نسبا و لقبا ، فهي تمثل ايضا احدى حلقات العلم ( التمهيدية او الاقناعية) ، ومع امتداد العملية التعليمية ، امتد الولاء و اتسعت القاعدة الاجتماعية ، هذه الخاصية الرمزية اتخذتها السلطة العثمانية لصالحها و استثمرتها في تكوين قوة حربية لتحرير وهران من الاسبان . و تكون بعد ذلك عند المشائخ دلالة رمزية اخرى عملت في خدمة تقاليد المدرسة و استمراريتها ، حيث تم ترميمها و استفادت المكتبة من حبس نسخة من صحيح مسلم سنة 1212هـ و بعض الكتب الاخرى من طرف الباي محمد الكبير (1) .
اثناء فترة الاحتلال الفرنسي عرفت المدرسة الفقهية مرحلة انتقالية مست بصفة خاصة عملية التعليم ، وذلك باعتبار ان الحياة العلمية في البلاد عرفت تسييسا سلطويا مع الوجود الفرنسي خاصة لما تتضمنه من تاثيرات تمس بالدرجة الاولى البنى الذهبية لافراد المجتمع ، و اصبحت بموجب ذلك المدرسة الفقهية خاضعة نظريا للسلطات العسكرية الفرنسية ، وتم تعيين بعض مشائخنا في بعض المناصب الدينية و القضائية ( الفتوى ، الامامة ، باش عدل ...) و تشكل بذلك في تاريخ نظام المدرسة الراسمال السياسي الذي اعطى استمرارية اخرى لمسيرة التعليم و استفادت بذلك المكتبة بصفة خاصة (أ) و يتحدثG.H.Bousquet في دراسته الوصفية للمدرسة الفقهية , أنها قد احتوت على مكتبة هامة , شملت مخطوطات رائعة منها ما هو موقوف (2) . و يؤكد وجودها أيضا "لوكيل يوسف " حيث يقول "...و قد احتوت هذه المدرسة على مكتبة ضمت مراجع و مجلدات غنية , كلها هبات من البايات ...و الأعيان "(1) وعن تكوين المكتبة , فإضافة إلى بعض التأليف الخاصة بالمشايخ (النادرة الآن بالمكتبة ) نجد أن الكتاب كان ينتقل إما بالبيع (أ) أو الاستنساخ , أو الاستلاف , أو الهدايا و التي كلها تصبح فيما بعد موقوفة (ب) على المشايخ و الطلبة و الزائرين , أما الاطلاع كان لا يتم إلا بعد الاستئذان من المشرف على عملية التدريس (ج).
فالمكتبة إذا مثلت نمطا تعليميا, و اتصالا معرفيا لمشايخ آخرين كان له تأثيره على المستوى الفردي و الاجتماعي, خاصة من الناحية الثقافية. و تمكنت بفضل مضامينها الدينية و اللغوية أن تكون تراكما معرفيا مثل قاعدة و سندا أخر في عملية التعليم و التحصين لدى طرفي العملية التعليمية (الشيخ-الطالب ) , و لم تندثر مكتبة المدرسة رغم التحولات السلطوية الكبرى . إلا أن بعض محتوياتها تعرضت للإتلاف, و كان ذلك نتيجة حتمية لعدم إعادة إنتاج الرأسمال التعليمي من قبل العائلة التي وجد أفرادها أنفسهم قابلين للاختلاف بقدر ما هم غير قابلين للاندماج , و اعتقادا في رمزية ثقافية تاريخية , تكونت لدى أفراد العائلة مكتبات خاصة على أنقاض مكتبة المدرسة الفقهية , استمدت أغلب كتبها منها و لا تزال المكتبة تتضمن بعض الكتب تفوق الخمسين , و هي ما بين مطبوع و مخطوط , موزعة في مضامينها على بعض العلوم الدينية و اللغوية , ووجودها حاليا هو الدليل هو الدليل الوحيد الذي يؤكد وجودها تاريخيا , و يعدم ذاكرة المدرسة ثقافيا .
6.2 الإجازة:
نظرا لانبعاث الحركة العلمية و الثقافية, خلال الوجود العثماني, و التي كانت بدافع ذاتي شعبي, أكثر مما هو حكومي سياسي, فقد ظهرت ضرورة تأكيدها, و إثباتها خاصة مع التنافس الذي عرفته المراكز التعليمية, و كحل نهائي كانت الإجازة التي ظهرت كدلالة على وجود حيز تعليمي معين , أو على الأقل وجود الشيخ ،إضافة إلى أنها تمثل في وجودها شهادة كفاءة أو تأهيل يستحق بها المجاز لقب الشيخ أو الأستاذ في العلوم المجاز فيها ، فالإجازة إذن بمنحها للطالب : هي عنوان اكتساب الطالب نصيبا من العلم بالنسبة للمستجيز ، و علامة على التبحر و التخصص في نفس العلم بالنسبة لمانحها (1).
و قد جرت العادة في مدرسة مازونة الفقهية –خاصة خلال العهد العثماني – على أن لا تعطي الإجازة إلا بعد القراءة على الشيخ المجيز و ملازمته أياما وشهورا بل أعواما في كثير من الأحيان ، و مناظرته في بعض المسائل ، و ذلك باعتبار أن حصول الملكات العلمية و غيرها عن المباشرة و التلقين ، يكحون أشد استحكام و أقوى رسوخا ، فعلى قدر كثرة المشايخ تكون الملكات ورسوخها ، و قد يقرأ الطالب على الشيخ بعض مؤلفاته ، و ذلك إضافة إلى بعض الكتب الأخرى التي تتضمن المحتوى التعليمي ، و يكون ذلك حسب العلم الذي يريد الطالب تعلمه.
مع مرور الزمن أصبحت الإجازة العلمية للمدرسة الفقهية تتطلب من الطالب أو من ولي أمره، حيث يتقدم برسالة إلى الشيخ يلتمس فيها الإجازة (أ)و قد ظهرت هذه الطريقة في الإجازة كنتيجة حتمية للمضايقات الاستعمارية للحياة العلمية،حيث بدأت تفرض ضرورة وجود رخصة للتنقل داخل البلاد (بين مدن المجتمع الكلي ) إضافة إلى ذلك فهذه الطريقة دفعت إلى وجودها الحاجة في الحصول على الإجازة من شيخ الشيخ خاصة إذا كان على قيد الحياة،و من هنا نستقرأ الاحترام و التقدير الذي فرضه الرأس مال الثقافي و التعليمي للمشايخ على الآخرين من طلبة العلم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire